حددت وضع القوات النظامية والدعم السريع.. تعرف على مسودة وثيقة الدستور الانتقالي بالسودان | سياسة


الخرطوم- دون سواها من المقترحات الرامية لحل الأزمة السياسية في السودان، حظيت مسودة الدستور المقترحة من قِبل اللجنة المؤقتة لنقابة المحامين بالتفاف واسع من أطراف وطنية ودولية.

ويأتي تأييد المسودة -التي تحاول وضع إطار دستوري يحكم ما تبقي من الفترة الانتقالية- في وقت تستحكم فيه حلقات الخلاف بين الأطراف السياسية بما يعيق تكوين حكومة مدنية، كما تتصاعد الاحتجاجات والإضرابات المنددة بتردي الأوضاع المعيشية.

وفي 8 أغسطس/آب الماضي، دعت اللجنة المؤقتة لنقابة المحامين معظم الأطراف ذات الثقل لورشة حضرها أيضا ممثلو السفارات الغربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة علاوة على سفراء الإمارات والسعودية وغيرها، كما شارك فيها قادة الحركات المسلحة وممثلون لأحزاب تحالفت مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

وهو ما تتم قراءته على أنه محاولة لتوسيع قاعدة المشاركة، بما يتلافى أخطاء الحكومة التي انقلب عليها الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي أقصت أطرافا كانت جزءا من نظام البشير الذي أطيح به في أبريل/نيسان 2019.

تجيب الجزيرة نت على الأسباب التي جعلت الوثيقة الدستورية المقترحة محل اهتمام وتأييد الأحزاب والقوى الدولية، التي تجاهلت مسودة إعلان دستوري طرحتها في وقت سابق مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير -التي تضم حركات مسلحة وقوى سياسية أيدت انقلاب العسكر على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- بل كانت محل انتقاد ورفض واسعين.

كيف ظهرت مسودة الإعلان الدستوري للعلن؟

في 8 أغسطس/آب شهدت دار المحامين بضاحية العمارات تجمعا غير مسبوق تحت سرادق ضخم كان لافتا فيه حضور شخصيات على خلاف سياسي مع كثير من الموجودين في عين المكان، كما كان حضورا في مقر انعقاد ورشة “الإطار الدستوري الانتقالي” مسؤولون دوليون وسفراء مجموعة الرباعية (أميركا-بريطانيا-السعودية-الإمارات” إلى جانب سفراء ألمانيا والنرويج وكندا وفرنسا والسويد وإسبانيا وآخرين.

وجرى الإعلان عن أن الهدف الرئيسي من الورشة هو “بحث إمكانية توافق الأطراف السياسية والمهنية والثورية حول الترتيبات الدستورية الجديدة وإيجاد أرضية مشتركة بين السودانيين حول قضايا الدستور”.

وعلى مدى 3 أيام عكفت لجنة من المحامين على وضع الأطر الخاصة بالدستور ليكون هاديا للفترة الانتقالية وبديلا عن الوثيقة الدستورية التي أقرت الشراكة بين العسكر والمدنيين عام 2019 والتي جمد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان غالب نصوصها.

من يقف وراء مشروع الإعلان الدستوري المقترح؟

يساند المجلس المركزي بائتلاف الحرية والتغيير (التحالف الحاكم السابق) بقوة المسودة المطروحة بل يُعتقد على نطاق واسع أن ممثلي التحالف هم أصحاب المقترحات الدستورية الحالية بالنظر لتسويق قادته للمسودة، وحرصهم الشديد على أن يتم تمريرها لتكون الوثيقة المعتمدة لحكم الفترة الانتقالية، كما تلقى المقترحات تأييدا من أحزاب خارج “الحرية والتغيير” حضر ممثلوها الورشة الافتتاحية للإطار الدستوري بينها المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.

وبحسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت فإن اللجنة الفنية المكلفة بإعداد مسودة الدستور المقترحة حرصت على إشراك كل القوى المؤثرة سياسيا، وتلك الحاملة للسلاح، حيث تم عرض المشروع الدستوري على الحركات التي لم توقع على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية برئاسة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، للتشاور حوله. كما استعانت بخبراء محليين وبيوت خبرة عالمية لإعداد المُسَوَّدَة.

ما أهم بنود الإعلان الدستوري الجديد؟

وضعت المسودة الإطارية للإعلان الدستوري الانتقالي في 12 فصلا و76 مادة تنص، ضمن بنود عديدة، على تشكيل حكومة مدنية ومجلس بشؤون الأمن القومي والدفاع بقيادة مدنية.

ويشرح ياسر علي التوم ممثل تجمع قوى تحرير السودان في ورشة نقابة المحامين -للجزيرة نت- مزيدا من تفاصيل الوثيقة بالقول إن الورشة خلصت لتوصيات جرت مناقشتها على نطاق واسع، كانت خلاصتها مشروع دستور انتقالي ليكون بديلا للوثيقة الدستورية، عام 2019، وإجراء تعديلات جوهرية عليها.

وشملت النصوص قضايا تخص طبيعة الدولة بأن تكون مدنية ديمقراطية، تتمتع بحكم فدرالي عبر 3 مستويات للحكم (اتحادي وإقليمي ومحلي) كذلك تناول هياكل الحكم واستقلالية الجهاز القضائي.

وأقرت الوثيقة أن تكون تبعية بنك السودان لمجلس الوزراء، بعد أن كان في الوثيقة السابقة تابعا لمجلس السيادة الذي يعين المحافظ ونوابه.

وبحسب عضو نقابة المحامين منتصر عبد الله -الذي تحدث للجزيرة نت- فإن الوثيقة المقترحة عالجت كل الإخفاقات والقصور الذي طال سابقتها، كما ركزت على قضايا الحقوق والحريات وإخضاع كل القوات النظامية للسلطة المدنية الكاملة، على أن تكون هناك 3 قوات نظامية على مستوى الدولة السودانية، وهي القوات المسلحة والشرطة وجهاز المخابرات العامة.

ولم يُحدد مشروع الدستور عدد أعضاء مجلس السيادة الذي نص على أن يكون رأسًا للدولة، وتكون رئاسته دورية، ليمارس مهام رؤساء الوزراء والقضاء والمحكمة الدستورية والمراجع العام، كما تشمل مهام مجلس السيادة إعلان الحرب بطلب من رئيس الوزراء، والتوقيع على القوانين المجازة بواسطة البرلمان وسلطة العفو الشامل والمشروط وإسقاط العقوبة.

وتحدث مشروع الدستور عن تشكيل مجلس الوزراء من 25 وزيرا بالتساوي بين الجنسين وأن يكون مسؤولا عن أعماله أمام البرلمان، ونص كذلك على مراجعة كل القوانين، خلال الـ 6 أشهر الأولى من تاريخ التوقيع على الدستور، لإلغاء أو تعديل ما يتعارض مع الحقوق والحريات العامة.

كيف نظم الدستور وضعية القوات النظامية والدعم السريع؟

حدد المشروع الدستوري الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة كقوات نظامية، وحصر مهام الجيش في حماية أراضي وحدود وسيادة السودان، واتخاذ عقيدة عسكرية تلتزم بالنظام الدستوري وتقر بالحكم المدني الديمقراطي أساسا للحكم، وهو ما يعني دمج قوات الدعم السريع ومقاتلي الحركات المسلحة في الجيش، الذي يسمي ممثله في مجلس الأمن والدفاع الذي يرأسه رئيس الوزراء المدني. وحظر مشروع الدستور تشكيل مليشيات عسكرية أو شبة عسكرية، إضافة إلى حظر الأعمال الاستثمارية والتجارية للجيش باستثناء المتعلقة بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.

ما الذي دفع حميدتي للترحيب بمسودة الدستور؟

بعد يوم واحد من ترحيب 9 سفارات غربية بالدستور المقترح، فاجأ قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الأوساط السياسية ببيان رحب فيه بالمشروع.

ولم يكن واضحا بادئ الأمر ما إذا كان موقفه يمثل المؤسسة العسكرية أم القوات التي يتزعمها بالنظر إلى أنه الرجل الثاني في مجلس السيادة، المكون من قادة الجيش، وقد صدر بيان الترحيب بادئ الأمر من إعلام الدعم السريع، لكن ما لبث أن بثه إعلام مجلس السيادة، لتذهب التكهنات باتجاه أن الارتياح للوثيقة الدستورية هو موقف متسق مع قرار المؤسسة العسكرية الداعي لتوافق القوى السياسية، بما يمهد لابتعاد الجيش عن السلطة.

وأعرب حميدتي عن أمله في أن يكون مشروع الدستور نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة، كما أشار لدعمه لكل الجهود التي تُسهم في التغلّب على المصاعب التي تواجه البلاد، داعياَ جميع الأطراف إلى الانخراط وبشكل عاجل في حوار شامل يفضي إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية.

ويرجع التوم ترحيب المجتمع الدولي بالوثيقة لمناقشتها كافة القضايا التي تهم الشعب، ومحاولتها نقل الدولة من صراعات وحروب إلى أخرى مدنية فهي تعالج -كما يقول- جذور الأزمة وهي كفيلة بمعالجة تعقيدات الوضع الحالي.

هل الوثيقة صنيعة المجتمع الدولي؟

عززت تصريحات رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس -أمام مجلس الأمن، الثلاثاء، حول الوثيقة الدستورية- من قناعة معارضيها بأنها صنيعة الدول الغربية، وتقف وراءها مؤسسة ماكس بلانك للسلام الدولي لتتبناها قوى الحرية والتغيير.

وقال فولكر إن نقابة المحامين عرضت على الآلية الثلاثية، السبت الماضي، حصيلة عملهم على مشروع إطار دستوري.

وأضاف “تمت المصادقة على المشروع من أطراف اضطلعوا بمبادرتين رئيسيتين أخريين، مما يعني أنّ مبادرة نقابة المحامين تجمع الآن طيفا واسعا من القوى المدنية حول رؤية واحدة، بما في ذلك أحزاب قوى الحرية والتغيير-اللجنة المركزية التي اعتمدت عليها حكومة حمدوك وأطراف ذات صلة لم يكونوا بتلك الحكومة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي، وبعض موقعي اتفاق جوبا للسلام الذين ما زالوا موجودين بمجلس السيادة.

ويرد القيادي بقوى الحرية والتغيير ياسر عرمان -خلال حديثه للجزيرة- أن كل ما قيل عن أن الوثيقة صُنعت خارج السودان وصاغتها جهات إقليمية ودولية لا أساس له من الصحة وهروب إلى الأمام اعتمدته بعض الجهات السياسية التي شعرت بأنها فقدت شرعيتها السياسية والميدانية”.

وأوضح عرمان أن ما قدمته نقابة المحامين مجرد “مشروع لوثيقة دستورية لم يتم الاتفاق عليها بعد” مؤكدا أن الجانب الأبرز فيها أنها تفتح الباب أمام عملية سياسية “تترجم الخيارات الكبرى لثورة الشعب السوداني كما أنها محاولة لفك الاختناق السياسي”.

واعتبر القيادي “الحرية والتغيير” ترحيب حميدتي بالوثيقة أنه “تأكيد على وجود موقف موحد لدى المكون العسكري ورغبة البرهان ورفاقه في الخروج من المشهد السياسي لصالح المكون المدني”.

من هم معارضو مشروع الوثيقة الدستورية المقترح؟

تبرز قوى التوافق الوطني وجماعة الإخوان المسلمين كتيارات مناهضة لمشروع الدستور المقترح من نقابة المحامين، حيث طرحت الأولى قبل أكثر من أسبوعين وثيقتها الدستورية التي قوبلت بانتقادات واسعة واسع باعتبارها محاولة لتركيز نفوذ العسكر بحديثها عن ضرورة الشراكة معه ومنحه صلاحيات واسعة بالحكم.

بينما قال المراقب العام لجماعة الإخوان سيف الدين أرباب -في مقابلة صحفية- أن الوثيقة المطروحة “مزاجية وسياسية” وجاءت معيبة قانونيا، كما أنها تلبي أجندة السفارات الأجنبية التي يظهر بوضوح تدخلها في الصياغة لتفكيك الجيش السوداني وتطبيق النموذج العراقي والليبي، والتدخل في سيادة البلاد.



علي العمري

محرر وكاتب أخبار في صحيفة "موقعي نت"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى