أحبه مارادونا وكرهه الإنجليز.. التونسي علي بن ناصر وقصة “يد الله” الفارقة في تاريخ المونديال | كرة قدم


تونس- لم يكن الأرجنتيني دييغو مارادونا بحاجة إلى هدفيه الخالدين في شباك الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون في ربع نهائي كأس العالم 1986، ليكتسب تلك الشهرة الواسعة في عالم الساحرة المستديرة، فالفتى الذهبي نحت مسيرة ملؤها السحر والإبداع بفضل موهبة خارقة نصبته ملكا على عرش كرة القدم، لكن تلك المباراة كانت علامة فارقة في مشوار الحكم التونسي علي بن ناصر بقدر ما كانت صفحة بارزة في تاريخ المسابقة.

وقبل إعطاء بن ناصر ضربة بداية المواجهة بين الأرجنتين وإنجلترا، في أمسية 22 يونيو/حزيران 1986، لم تكن أجواء ملعب “أزتيكا” بمكسيكو سيتي توحي بأن المباراة ستظل حديث القاصي والداني طوال عقود، وأن اسم الحكم التونسي سيظل مرتبطا بمسيرة النجم الأرجنتيني بعد أن اشترك الرجلان في تسجيل هدف عدّه البعض أشهر الأهداف في المونديال.

نجح مارادونا في الدقيقة 51 في خداع الجميع، عندما سجل هدفا باليد احتسبه الحكم التونسي رغم احتجاجات لاعبي المنتخب الإنجليزي ومطالبتهم بإلغاء الهدف العجيب، لكن بن ناصر أصرّ على احتساب هدف تحوّل فيما بعد إلى جزء من ذاكرة مونديال كرة القدم.

وفي صائفة ذلك العام، وبعد خروج إنجلترا من المسابقة، شنّت الصحف البريطانية حملة شعواء على الحكم التونسي علي بن ناصر لاحتسابه هدفا باليد، قبل أن يخرج مارادونا إثر ذلك عن صمته ويقول قولته الشهيرة “الهدف كان قليلا برأس مارادونا وقليلا بيد الله”.

خطأ فادح وزيارة مفاجئة

وارتبط اسم الحكم التونسي علي بن ناصر بمباراة عدّها خبراء كرة القدم مباراة القرن الـ20 من دون منازع، لأن الأسطورة مارادونا لم يكتف بهدفه الأول المثير للجدل، بل استطاع بعد ذلك بـ4 دقائق أن ينفث سحره الكروي ويسجل هدفا ثانيا حسم به أمر التأهل للدور نصف النهائي، وذلك عندما تخطى ببراعة كل مدافعي المنافس قبل أن يودع الكرة في الشباك، واختير ذلك الهدف أجمل هدف في تاريخ النهائيات وضمن أشهر 10 أهداف في تاريخ كرة القدم.

وتحدث علي بن ناصر عن المباراة والهدف باليد قائلا في تصريحات سابقة “كانت من أفضل المباريات التي أدرتها في مسيرتي رغم الخطأ الذي لم يكن أحد في الملعب ليتفطن له آنذاك. بعد دخول الكرة المرمى، نظرت إلى مساعدي البلغاري دوتشاف فشاهدته متجها نحو خط وسط الميدان، اتخذت قراري بسرعة، واحتسبت الهدف عندما كان حارس إنجلترا يجري ورائي ليشير لي بأن مارادونا استعمل يده”.

وفي 2015، وخلال زيارته تونس في إطار حملة دعائية لإحدى الشركات العالمية، زار مارادونا صديقه بن ناصر، وفق تصريحه، وذلك في منزله بالعاصمة تونس، وقال آنذاك لوسائل الإعلام إن “بن ناصر حكم لامع وكفء وهو صديق عزيز يحتفظ معه بذكرى لا تنسى”، على حد قول النجم الأرجنتيني.

وقال بن ناصر عن الزيارة “كانت مفاجأة أسعدتني كثيرا، مارادونا شخصية عظيمة ومتواضعة، لقد أهداني قميص الأرجنتين في كأس العالم 1986، وقدمت له صورة جمعتني به وبشيلتون قائد إنجلترا في المباراة قبل إطلاق صافرة البداية”.

وفي 22 يونيو/حزيران من العام الحالي، أقامت سفارة الأرجنتين بتونس حفل تكريم على شرف بن ناصر بمناسبة ذكرى مرور 36 عاما على المباراة الشهيرة، وسلمه السفير الأرجنتيني درعا فخريا.

وفي تصريحات عقب وفاة مارادونا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قال بن ناصر إنه يحتفظ بذكريات رائعة مع النجم الأرجنتيني الراحل وإنه يعدّ مارادونا أفضل لاعب كرة لكل الأوقات وهدفه الثاني في مرمى إنجلترا أجمل هدف شاهده.

وتواصلت الجزيرة نت مع الحكم التونسي لاسترجاع بعض من ذكريات مونديال 1986، غير أنه أكد أنه يمر بوعكة صحية تمنعه من الحديث حتى تعافيه التام.

الحكم علي بن ناصر يستعرض مجموعة من الصور مع مارادونا (الفرنسية)

الحظ ومارادونا وراء شهرة بن ناصر

من جهته، كشف الحكم الدولي التونسي توفيق الجعنقي أن “الأوساط الكروية والتحكيمية في تونس وفي العالم عاشت في ذلك المونديال على وقع تلك المباراة الشهيرة باعتبار أن حكما تونسيا وعربيا كان بطلها حتى إن كان ذلك بسبب خطأ فادح، لكن لا أحد كان قادرا على تبيّن أن مارادونا وضع الكرة بيده في الشباك”.

وقال العجنقي للجزيرة نت “حتى بعد نهاية المباراة، كان الجميع يعتقدون أن مارادونا سجل هدفا شرعيا قبل أن تثبت اللقطات التلفزيونية حقيقة اللقطة الشهيرة التي اكتسب من ورائها بن ناصر شهرة كبيرة. أعتقد أنه محظوظ، فقد أدار إحدى أشهر المباريات في التاريخ، بل دوّن في ورقته أشهر هدفين لأعظم لاعب، هو دييغو”.

كما تحدث الصحفي الرياضي برادعي الكراي عن تلك الحادثة الشهيرة، قائلا إن “مسيرة علي بن ناصر يمكن تلخيصها في مباراة الأرجنتين وإنجلترا، الحظ ومارادونا لعبا دورا كبيرا في أن ينال الحكم التونسي صيتا عالميا”.

وفي تصريح للجزيرة نت، قال كراي الذي عمل رئيس تحرير صحيفة “لابريس” التونسية “تابعت المقابلة باهتمام مثل كثير من التونسيين، لأن حكما تونسيا كان طرفا فيها. كانت مباراة للتاريخ فعلا، الشهرة تأتي أحيانا بفضل خطأ، وفي الحقيقة مارادونا كان نجما لامعا آنذاك ولو حصلت تلك الهفوة في مباراة أخرى أو مع لاعب آخر غير مارادونا لما اكتسب علي بن ناصر تلك الشهرة وما ظل اسمه عالقا بذاكرة كأس العالم”.

وامتدت مسيرة بن ناصر التحكيمية بين عامي 1976 و1991، حيث شارك في كثير من المسابقات إلى جانب مونديال 1986 بخاصة في كأس أمم أفريقيا 1984 و1986 و1988 وكأس العالم لأقل من 20 عاما في روسيا 1985 وغيرها.



علي العمري

محرر وكاتب أخبار في صحيفة "موقعي نت"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى