يودع عاما مزدحما بالأزمات.. ماذا يحمل 2023 للبنان؟ | سياسة


بيروت- ولعل أبرز ما شهده لبنان، إنجاز انتخابات برلمانية في مايو/أيار 2022 والتي أفضت إلى برلمان لا غلبة فيه لأي فريق سياسي، ما تجلى بعجز الكتل عن انتخاب رئيس للبلاد.

وخُتم العام بـ10 جلسات كانت “الورقة البيضاء” نجمتها، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الذي غادر قصر بعبدا في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتفاءل كثيرون بإنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، مشيرين إلى أن ذلك سينعكس على ضبط إيقاع الواقع الحدودي.

ويرى البعض أن تداعيات خروج زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري من المشهد السياسي والانتخابي في 2022 لم تنته بعد، ليس فقط على مستوى الطائفة السنية التي تعاني التشتت بتمثيلها، بل على مستوى القوى الوازنة التي خسرت أحد أبرز شركائها.

وبالتوازي مع ذلك، تشهد الساحة السياسية المسيحية صراعا محموما محوره الانتخابات الرئاسية، ويعد زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل خصما مشتركا للقوى الأخرى، من حزب القوات اللبنانية، إلى حزب الكتائب، وتيار المردة، ومستقلين آخرين.

واستشرافا للعام المقبل، حاورت الجزيرة نت 3 من الكُتاب والمحللين السياسيين، هم حسين أيوب وعلي حمادة وجورج علم.

كيف يمكن تقييم عام 2022 بالمشهد السياسي اللبناني؟

يعود حسين أيوب إلى خريف 2019، الذي شهد “انهيار البلاد سياسيا واقتصاديا ومعيشيا”، وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020. ويقول إن “المنظومة التي ارتعدت فرائصها حينئذ، استعادت ثقتها بنفسها في عام 2022 مع الانتخابات النيابية التي أعادت إنتاج التركيبة ذاتها مطعمة بصبغة تغييرية بالشكل ولكنها لا تختلف كثيرا في المضمون”.

من جهته، يعتقد علي حمادة أن عام 2022 يتميز بـ3 أحداث:

  • الانتخابات التشريعية التي أنتجت مجلسا بـ3 أقليات (هم حزب الله وحلفاؤه، القوات اللبنانية وحلفاؤها، ومجموعة التغييريين والمستقلين المنقسمين على ذاتهم أيضا).
  • عجز البرلمان عن توفير نصاب الثلثين لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بموعده بعد مغادرة عون القصر الرئاسي.
  • ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، والذي فتح نافذة أمل للبنان بانتزاع حقه بالتنقيب واستخراج النفط والغاز ضمن حقوله، كما أسس لهدنة طويلة الأمد بين حزب الله وإسرائيل.

بينما يجد جورج علم أن لبنان أرسى في 2022، الفراغ بالسلطات، وتفاقم الأزمة المالية التي أدت إلى عجز اللبنانيين عن نيل أبسط الخدمات والحقوق.

البرلمان اللبناني فشل عبر جلسات متعددة في انتخاب رئيس جديد للبلاد (الجزيرة)

هل سيتمكن البرلمان من انتخاب رئيس جديد في عام 2023؟

يجد علي حمادة أن الشغور الرئاسي سيدوم إلى أن تتقاطع الخيارات الخارجية عربيا وغربيا. وقال “لن يستطيع حزب الله فرض رئيس كما فعل في 2016 لدى انتخاب عون”.

ويرى أن للمحور العربي مقاربة ليس بها خلافات، و”أبرز الفاعلين في هذا المحور هي السعودية، ومعها تقف قطر ومصر، إضافة إلى موقف إماراتي منسجم معهم”.

ويعتقد حمادة أن المرشحين الأوفر حظا هم قائد الجيش جوزيف عون، مع ما يمثله من رمزية الاستقرار الأمني، أو شخصية تكنوقراطية تحظى بقبول دولي.

ويشكك جورج علم بقدرة البرلمان على انتخاب رئيس في 2023 بلا ضغط خارجي، مذكرا بأن الطبقة السياسية ترفض الحوار الوطني.

من جهته، يشير حسين أيوب إلى أنه لا أحد يستطيع الجزم ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية ستنجز في 2023 أم لا. وقال: “حتما نحن أمام برلمان أقليات يمتلك الكل فيه قدرة التعطيل لا قدرة الإنتاج، ويحتاج إلى توافقات كبرى لإنتاج رئيس جديد، وهو أمر متعذر”.

ويعتقد أنه إذا قررت السعودية فتح الباب أمام سليمان فرنجية فإنه يمكن أن ينتخب رئيسا باليوم التالي، أما “إذا استمر الانسداد السياسي الداخلي والخارجي فليس مستبعدا أن يمر عام 2023 بلا رئيس”.

ويجد أيوب أن ثمة مرشحين جديين لرئاسة الجمهورية هما سليمان فرنجية وجوزيف عون، “الأول رافعته المحلية ثابتة وقابلة للارتفاع، والثاني رافعته الخارجية أكثر ثباتا. وإذا استمر الانسداد طويلا سيدفع الوضع نحو إنتاج تسوية خارجية داخلية تفضي إلى اختيار اسم ثالث ربما من خارج نادي المرشحين التقليديين”.

كيف ستواصل حكومة تصريف الأعمال إدارة الفراغ بظل الشغور؟

يقول جورج علم إن “حكومة نجيب ميقاتي تترجم استفحال الأزمة، وأثبتت فشلها بإدارة الأزمة مقابل مواصلة الليرة انهيارها المدوي لمستويات صادمة مع تجاوزها عتبة 45 ألفا للدولار”.

لكن حسين أيوب يرى أن ميقاتي يتسلح بالدستور وبقوة موقعه بما يمثله طائفيا ومذهبيا ويتيقن أن موقعه وموقفه يقربان بينه وبين قوى خارجية مثل السعودية. وفي العام المقبل، “سيواصل ميقاتي إمساك العصا من الوسط، ووظيفته أن يمرر الكرة مرة لهذا الطرف السياسي ومرة لذاك”. ويذكر أنه نجح أخيرا بتخطي دفاع خصمه الأبرز جبران باسيل وعقد جلسة حكومية بأكثرية الثلثين، رغم رفض الأخير لذلك.

ويقول علي حمادة إن حكومة ميقاتي أمر واقع ولا يستطيع أحد تجاهلها، وهي الوحيدة القادرة على إدارة الفراغ ولو صوريا بصلاحيات محدودة.

ما الشكل السياسي للحكومة الجديدة بحال تم انتخاب رئيس؟

يقول جورج علم إنه إذا توافق الخارج على انتخاب رئيس جديد للبنان، سيسهل تشكيل حكومة جديدة، لأنها ستترجم سلة حلول واحدة أشبه بخريطة طريق سياسية إصلاحية، باعتبار أن المطلوب من لبنان برنامج متكامل لمساعدته على الخروج من أزمته.

ويشير حمادة إلى أن الحكومة هي التحدي الأكبر، مستبعدا أن يكون ميقاتي محظوظا برئاستها، “فبعد الانتخابات البرلمانية، قد يسعى المحور العربي إلى أن يكون الموقع السني الأول أقرب إليه”، وميقاتي -برأيه- “لا يمتلك المواصفات الكاملة لهذا التقارب”.

كذلك يرجح حسين أيوب أن تكون هوية الحكومة المقبلة جزءا من تسوية تشمل رئاستي الجمهورية، والحكومة، والبيان الوزاري، وأولويات المرحلة المقبلة إصلاحيا، وخصوصا توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار لبنان وقدّم مبادرتين سياسيتين لكنهما فشلتا في حل الأزمة السياسية (الأوروبية)

كيف ستتعامل القوى الإقليمية المؤثرة مع الساحة اللبنانية العام المقبل؟

يقول حسين أيوب إن إيران وأميركا تمتلكان حضورا وازنا بلبنان، وإن فرنسا تستفيد من التفويض الأميركي، ولكن هناك حدودا لهذا التفويض، وعندها تضطر واشنطن للتدخل مباشرة. أما السعودية، فهي -برأيه- بمرحلة “الاختبار والارتجال”، مثلما حضرت متأخرة قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية. وتوقع أيوب انعقاد اجتماع دولي إقليمي خاص بلبنان يمكن أن يضع خريطة طريق للملف السياسي والاقتصادي بلبنان.

ويرجّح حمادة، أنه بدءا من مطلع العام المقبل، يمكن أن يتسع مستوى الاهتمام والتدخل الخارجي بالملف اللبناني، وقد يكون من نافذة ضرورة انتخاب رئيس جديد لضمان الاستقرار. ويجد أن تكليف واشنطن لباريس بالملف الرئاسي، “لأنها على تواصل مع جميع القوى اللبنانية بما فيها حزب الله، وتسعى لإنجاز الاستحقاق بانتخاب شخصية توافقية لا تشكل استفزازا لأي طرف إقليمي”.

ويضيف: “طالما أن حزب الله حالة إقليمية إيرانية داخل لبنان، لا يمكن أن تُنجز الاستحقاقات الكبرى، كالانتخابات الرئاسية، إلا بتدخل إقليمي مواز”.

ويذكر علم أن فرنسا سبق أن قدمت مبادرتين سياسيتين، لكنهما فشلتا. ويقول إن الحرب الأوكرانية الروسية تركت تداعيات خطيرة على العالم، فلم يعد لبنان في صدارة قائمة الأولويات العالمية في ظل تعدد الأزمات الكبرى، والتحول الطارئ بالتحالفات الدولية، وغياب التوافق العالمي بين القوى المؤثرة فيه.

علي العمري

محرر وكاتب أخبار في صحيفة "موقعي نت"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى